بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي *
المغفور له بإذن الله المرحوم الاستاذ فضيل ارحيم الزوي
احد الذين قضوا في مذبحة سجن بوسليم
نسأل الله تعالى ان يتغمده في رحمته وان يحشره في زمرة خير الانام مع الشهداء والصديقين
رسالة حنين الى روح الشهيد
لن اقول اننا افتقدناك فقط ولكنك تركت فينا فراغا كبيرا في قلوبنا لن يملئه سوى حبك وحب ذكراك
بعد ان لاح فينا اليأس من ان يلد هذا الزمن من امثالك
بحثنا وترقبنا لعلى هناك من يحمل من شمائلك القليل فلا جدوى من ذلك تعلمنا منك الكثير تعلمنا منك معنى الحب و الصدق والوفاء والاخلاص لله تعلمنا منك العطاء والتفاني في العمل
رحلت عن الدنيا لتثبت لنا انها فانيه
رحلت عنها حتى قيل انها ليست للاخيار وان مآلها الى الفناء
سلام نهديه اليك من قلوب احبتك واشتاقت اليك وعيون ادمعها فراقك
مولده ونشأته
ولد في مدينة اجدابيا بتاريخ 13 /04 / 1965 لأب وأم متواضعين وخمسة اخوه وستة اخوات يكبرهم سنا عاش وترعرع في مدينة اجدابيا تميز في دراسته وتحصل فيها على اعلى الدرجات ، دفعه حبه للخير وسعيه للعمل الخيري والتطوعي للانضمام منذ طفولته لحركة الكشاف والمرشدات باجدابيا حيث وجدها وعاءا يفرغ فيه طاقاته الكامنه في داخله فحريا به ان يكون فيها قائدا بارزا ومعلما ومدربا ومنشدا ، وعندما آنت الفرصه لاختيار مسار حياته المهني آثر الا ان يكون معلما ومربيا ومساهما في بناء الاجيال الواعده لهذا الوطن فالتحق بمعهد عمر المختار للمعلمين واختار دراسة اللغه العربيه وهذا أمر طبيعي من شاب محب لثقافته ومتمسك باصالته ومعتز بهويته في الوقت الذي كان فيه الكثير من الشباب يهيم بحب مغنيي البوب وغيرهم ، وبعد تخرجه عمل استاذا للغه العربيه والتربيه الاسلاميه في مدرسة الشهيد حسن البراني حتى عام 1991 بعدها تم نقله للعمل في مخازن التعليم إثر قضيه حصلت معه سأعرج عليها لاحقا
صفاته وخلقه
لقد كثرت محاسنه وشمائله ليعجز المرء عن تعدادها ووصفها نحسبه كذلك ولا نزكي على الله احدا فبمجرد ان يلتقي به المرء يسره لقائه والتعرف عليه ، بشوش الوجه طلق المحيا متواضع ترتسم على وجهه الابتسامه التي لا تفارقه ابدا ونظره ثاقبه تنبأ عن ذكاء وفطنه ، كلامه كله طيبه واحسان وترحاب لا تسمع منه تجريح ولا طعن في أي شخص عرفته جارا واستاذا في مدرستي ، لقد كان رحمه الله ملفتا للانتباه اينما حل جرئ في طرحه وصريح في مشاعره وصدوق في كل اقواله محب للتجمعات ولقاءات الاصدقاء والاحبه والاقارب تراه في الاعياد يتوسط اطفال الحي وهم يلتفون حوله ويجول بهم في شوارع الحي وهم يرددون اناشيده في مشهد لا ترى له مثيل والى هذا اليوم يتذكره سكان الحي الذي عشنا فيه اجمل الايام
كان كثير السفر يتنقل في ربوع وطنه بين المدن والقرى شرقا وغربا وشمالا وحتى اقصى الجنوب لديه اصدقاء في كل مكان من وطننا ليبيا بفضل علاقاته التي بناها عن طريق العمل في الحركه الكشفيه وحتى من خلال التحاقه بالخدمه العسكريه .
قائدا في فوج كشاف اجدابيا
في المدرسه
نعم المعلم كان والاب والاخ لتلاميذه وزملائه الاساتذه الذين يذكرونه بكل خير الى هذه اللحظه احبوه لخلقه ونشاطه وصدقه وعاشوا معه اجمل الذكريات لقد كان نشيطا ويعطي اكثر وقته لتلاميذه ومدرسته فقد كان مسؤلا عن اذاعة المدرسه والانشطه الطلابيه والمسابقات ، يتمتع باسلوب رائع في القاء القصص والروايات مما يجعل الطلاب ينادونه ويطلبون منه ان يقص عليهم القصص كلما كان لديهم فراغ بين الحصص الدراسيه ، ومن غرائبه انه كان يحمل العصا في يده ولا يستخدمها في ضرب الطلاب اذ ان له اسلوب في التأثير وجعل الطلاب يلتزمون بارشاداته .
تدينه ودعوته
كان لابد للشاب الخلوق ان تؤثر فيه رسالات الدعوة الى الله بعد ظهور الصحوه الاسلاميه في النصف الثاني من الثمانينيات فاهتدى بحمد الله والتزم دينه ومسجده واخلص النيه لربه لتكتمل بذلك صورة المسلم المؤمن ، ذاع صيته في اوساط الشباب واستتاب على يديه الكثيرين وعرف بينهم بالاعتدال والتسامح مع الآخر في وقت لم يكن فيه هذه الثقافه معروفه ابدا عند الشباب المتعصبين والغاضبين وعندما انتقل اهله للسكن في بيت جديد بالقرب من مسجد عموريه التف حوله شباب مسجد عموريه وهذا حاله اينما حل ، لم يكن لديه وقت فراغ ابد فهو دائما مشغول بالدعوة والتواصل مع الاصدقاء وحضور المناسبات وغيره فلم أره يوما يجلس امام بيته او في الشارع الا مرات معدوده .
كنا نصلي مع بعض في مسجد الفتح قبل ان يتحول الى مسجد عموريه فاذكر انه كان بعد الفراغ من كل صلاه تراه امام المسجد يعانق هذا ويسدي النصح لهذا ا ويصلح بين اثنين او يلقن الشباب المقبلين على الزواج او يصلح بين زوج وزوجته حتى عند مروره في الشارع اذا ما رأى اطفال متخاصمين يفض الشجار بينهم ويأمرهم بتقبيل رؤوس بعضهم البعض وهي عاده عودنا عليها في الشارع منذ الصغر وقبل التزامه فهو متدين بطبعه وفطرته التي فطره الله عليها
مسجد الفتح الذي التزم فيه الشهيد في وسط مدينة اجدابيا
استبعاده عن المدرسه والتدريس
في الحقيقه ان الشهيد كان متدينا معتدلا فلم نسمع منه اطلاقا مصطلحات التكفير او حتى مجرد السخط على السلطه ولم نرى عليه التأثر بالتيارات التي تدعو الى قلب انظمة الحكم وغيره بل كان عطوفا متسامحا يلقي السلام والتحيه على نساء الجيران ويمازح الشباب المنحرفين ويجالس من لا يطيق الناس مجالستهم ، له اسلوبه الخاص في الدعوة فمثلا لايواجه الخطأ دائما بشكل مباشر بل يتحرى الفرصه لتوجيه المخطأ واسداء النصح اليه وكثيرا ما ينجح في ذلك بلباقته وبراعته التي كان يفتقدها الكثير من الشباب حتى ازداد عدد المتدينين من حوله وفي كل حملات الاعتقال التي تمت في مدينة اجدابيا لم يعتقل ابدا لأنه كان بعيدا عن أي حركات وتيارات فكما قلت ان له اسلوبه في الدعوة ، ولكن بعد هذا النجاح كان لابد من الاصطدام مع آخرين لم يرق لهم الحال ومايجري داخل مدرسة الشهيد حسن البراني التي ازداد عدد المتدينين فيها واكتضاض مسجدها بالمصلين فاقدم ثلاث طلاب ينتمون الى حركة اللجان الثوريه باعداد تقرير عن الاستاذ فضيل وسلموه الى جهاز الامن الداخلي اجدابيا تم استدعائه على اثرها للتحقيق معه وبعد ها تم توقيفه عن التدريس في المدرسه وصدر قرار من التعليم بنقله الى مخازن التعليم في عام 1991 ، اما عن التقرير فقد سمعنا انهم ذكروا فيه انه يسعى لتحويل المدرسه الى مدرسه دينيه ويستخدم اذاعة المدرسه في تشغيل اشرطة الخطب الدينيه واكاذيب اخرى وفي الحقيقه انه كان يقوم بدوره كمعلم فقد كان استاذا بارعا لمادة التربيه الاسلاميه ولم يخرج عن الخط التعليمي وما الضير ان كان معلما ناجحا يقتدي به الطلاب .
واعتقد ان الاستاذ فضيل بطيبته وتسامحه لم يرتح او يأتيه النوم ولديه خصومه مع اخرين فقد رأيناه يأتي للمدرسه للحوار مع خصومه المنتمين للمثابه الثوريه في المدرسه لفض الاشكال الذي حصل بينهم ... في ظرف لم يكن فيه مجال للحوار والتفاهم .
اعتقاله ووفاته
ضل المغفور له يعمل في مخازن التعليم في اجدابيا بعد ان تولى المسؤليه عليها كامله بفضل صدقه وامانته حتى شهر ابريل 1995 حيث تم اعتقاله على يد عناصر جهاز الامن الداخلي قبل حوالي اسبوع او اسبوعين من فرح زواجه بتهمة علاقته بشخص مطلوب امنيا وهو تاجر من مدينة مصراته فر الى خارج البلاد فقامت السلطات بالقبض على كل من له علاقه به ومن بينهم الاستاذ فضيل الذي كان يستضيفه في بيته كلما زار المنطقه الشرقيه . وكل من يعرف الاستاذ فضيل لا يشك ابدا في نزاهته وزهده وبعده عن الشبهات ولكن يبدو ان عمل المعروف الذي كان يتقرب به الى الله قد اوقعه في شراك الاسر فقدكان يفتح بيته وبيت اهله لعابري السبيل ممن يعرفهم او لا يعرفهم ، هذا ما يمليه عليه ضميره ودينه ولكنه نسى انه يعيش في بلده الجماهيريه .
انضم الى معتقلي سجن بوسليم في طرابلس وحجز معهم بطاقة صعود الى مثواه الاخير وكان تاريخ الرحله بتاريخ 29 يونيو 1996 ليلقى ربه بقلب مؤمن صادق طلق الدنيا وما فيها وتركها لمن احبوها وتعلقوا بها وقاتلوا وقتلوا من اجلها اما هو فالدنيا عنده ما هي الا ممر الى الاخره دار المستقر .
انا لله وانا اليه راجعون
ذكريات اصدقائه ضلت لذكراه
اللهم اكتبه عندك من الشهداء
اللهم اغفر له و ارحمه و أكرم نزله ووسع مدخله
اللهم اغسله بالثلج و الماء و البرد
اللهم باعد بينه و بين خطاياه كما باعدت بين المشرق و المغرب
اللهم نقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهم ارزقه أهلا خيرا من أهله و دارا خيرا من داره
اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه
اللهم ارزق أهله الصبر و السلوان و الإحتساب
.. آمين
في رثاء الشهيد رحمه الله